من طرف حفيدة عائشة الثلاثاء يوليو 06, 2010 4:57 am
الفرع الرابع: المفاضلة بين السمع والبصر في القرآن الكريم:
أ- التفاضل بين السمع والبصر عند العلماء: اختلف ابن قتيبة، وابن الأنباري
في السمع والبصر، أيهما أفضل؟ ففضل ابن قتيبة السمع، ووافقه طائفة من
العلماء، واحتج بقوله - تعالى -: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ
مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا
يُبْصِرُونَ} [يونس: 42 - 43]؛ قال: فلما قرن بذهاب السمع ذهاب العقل، ولم
يقرن بذهاب النَّظر إلا ذهاب البصر، كان دليلاً على أن السمع أفضل.
وقال الأنباري: بهذا غلط، وكيف يكون السمع أفضل، وبالبصر يكون الإقبال
والإدبار؟ والقُرب والنَّجاة، والبُعد من الهلاك، وبه جمال الوجه، وبذهابه
شينه، وأجاب عمَّا ذكره ابن قتيبة بأنَّ الذي نفاه الله - تعالى - مع السمع
بمنزلة الذي نفاه عن البصر؛ إذ كأنَّه أراد إبصار القلوب، ولم يُرد إبصارَ
العيون، والذي يبصره القلب هو الذي يعقله؛ لأنَّها نزلت في قوم من اليهود
كانوا يستمعون كلام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيقفون على صحته ثم
يكذبونه، فأنزل الله فيهم: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} [يونس: 42]؛ أي:
المعرضين، ولو كانوا لا يعقلون، ومنهم من ينظر إليك بعين نقص، ولا حجة في
تقديم السمع على البصر هنا، فقد أخبر في قوله - تعالى -: {مَثَلُ
الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ}
[هود: 24].
واحتجَّ مفضلو السمع بأن به ينال غاية السَّعادة، من سماع كلام الله وسماع
كلام رسوله، فقالوا: وبه حصلت العلوم النَّافعة، وبه يدرك الحاضر والغائب،
والمحسوس والمعقول، فلا نسبة لمدرك البصر إلى مدرك السَّمع، ولهذا يكون
فاقده أقلَّ علمًا من فاقد البصر، بل قد يكون فاقد البصر أحدَ العلماء
الكبار، بخلاف فاقد السمع، فإنَّه لم يعهد من هذا الجنس عالم أَلْبَتَّة.
لكن قال مفضِّلو البصر: أفضلُ النعيم النظر إلى الله - تعالى - وهذا يكون
بالبصر،كما أنَّ ما يراه البصر لا يقبل الغلط، بخلاف ما يُسمع؛ فإنه يقع
فيه الغلط والكذب والوهم، فمدرك البصر أتم وأكمل، كما أن محله أحسن وأكمل
وأعظم عجائبَ من محل السمع، وذلك لشرفه وفضله.
قال ابن تيمية: البصر يرى من مباشرة المرئي، والسمع لا، وإن كان يحس
الأصوات، فالمقصود الأعظم به معرفة الكلام، وما يخبر به من العلم.
والتحقيق أنَّ إدراكَ البصر أكمل؛ قال الأكثرون: "فليس المخبر
كالمعاين"[7]، لكنَّ السمع يحصل به من العلم أكثر مما يحصل بالبصر، فالبصر
أقوى وأكملُ، والسمع أعمُّ وأشمل، وهاتان الحاستان هما الأصل في العلم
بالمعلومات التي يَمتاز بها الإنسان عن البهائم، ولهذا يقرن الله بينهما
وبين الفؤاد.
ب- الجمع بين السمع والبصر في القرآن الكريم: وَرَدَ السمع والبصر في
القرآن مُنفردين وجمعًا في"36" موضعًا، منها: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ}
[يونس: 31]، {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، فالحديث عن الحواس كأدوات للمعرفة كان غالبًا عن السمع والبصر مجموعين، وذاك لعدة أسباب،
منها:
1- أنَّهما أداتان من أهم أدوات الإدراك التي يترتب عليها معرفة الله -
تعالى - كأعلى أنواع المعرفة وموضوعاتها، وإدراك دلائل الاعتقاد لا يكون
إلا بهما.
2- أنَّهما الطريقان الرئيسان بين المعرفة والعقل، فهما الواسطة، ودونهما
لا يعرف، بل لا يدرك الإنسان شيئًا، وقد يستغني عن غيرهما من الحواس؛ لذا
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
وَالْأَفْئِدَةَ} [المؤمنون: 78]، فهذه الثلاث هي طرق العلم الرئيسة،
وأدواتها الأذن والعين والقلب.
3- فقدان الحاستين يُفقد العلم كله كلامًا ولغة وقراءة، فالقُدرة على
الكلام وفهم اللغة يَحتاج إلى السمع؛ ليَعِيَ الدلالات الصوتيَّة، بل قد
يتعطل حتى عن تدبير حياته العضوية، فهما مدار الحياة الحيوانية، وكمال
البشرية، وتحصيل العلوم الأولية بهما.
4- ورد السمع حالَ اقترانه بالبصر مفردًا، خلاف البصر، فقد ورد جمعًا إلا
في [الإسراء: 36]؛ فليس نصًّا في العموم، لاحتمال توهم بصر مخصوص، فكان
الجمعُ أدل على قصد العموم، وأنفى لاحتمال العهد ونحوه، بخلاف قوله: {إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]؛ لأنَّ المرادَ الواحد لكل مخاطب بقوله: {وَلَا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، ويَحتمل أن يكون ذلك؛
لأنَّ السمع يستقبل جميع الأصوات باختلاف جهاتها، في حين البصر لا يستقبل
دون توجه العين نحو الْمُبْصَر المراد، فالبصر لا يدرك إلا الزَّاوية
الموجه نحوها، على غير السمع؛ فيلتقط في الزَّوايا كلها.
5- السمع يدرك خلالَ الضَّوء والظُّلمة، ومع وجودِ الحواجز الفاصلة بين
السامع وغيره؛ إلا أن تكونَ كاتمة، على عكس البَصَر لا يبصر إلا بوجود ضوء
ينعكس في العين.
كما أنَّ النائمَ أول ما يستيقظ منه المنبِّه السمعي ويليه البصري، فكان
أول الحواس اشتغالاً بعد النوم، وآخرها قبل النَّوم، وترادفهما يحقق أعلى
مُستويات الاستيعاب والتحصيل.
ج- أسباب تقديم السمع على البصر في القرآن الكريم: ما يلاحظ في القرآن
الكريم أنَّ السمع كان دائمًا مقدمًا على البصر في الذِّكر كلما اقترنا،
وهذا الترتيبُ كان في كتاب الإعجاز اللُّغوي والبلاغي؛ وهو القرآن، فلا
يكون إلا عن سر، وهو قاعدة أفضليَّة المتقدم على اللاحق، خاصة أنَّ هذا
التقديم شمل كل المواضع التي اجتمعَ فيها السمع مع البصر، وهذه الملاحظة هي
إحدى أدلة القائلين بأفضلية السمع على البصر من الناحية المعرفية، وهذا يستند إلى دلائل أخرى في القرآن الكريم والواقع، وهي:
1- اقترن السمع بالعقل في غير ما آية، دون اقتران البصر بالعقل، مثل:
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ
السَّعِيرِ} [الملك: 10]، {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا
يَسْمَعُونَ} [الأعراف: 100].
2- اقترن لفظ السميع بالعليم، بينما اقترن البصير بالخبير؛ ليجتمعا في
العليم: {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 30]،
أمَّا السمع والعلم؛ {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] ، في حوالي "32" آية، وهذا أكثر من اقترانِ
السَّمع مع البصر في القرآن، فكان السمع أقرب للعلم معنى وأتم.
3- حاسة السمع دائمة العمل دون توقُّف، بخلاف البصر فتتوقف بإغماض العين؛
وإن كان المغمض مستيقظًا.
لهذا ذكر الله عن أصحابِ الكهف أنَّه ضرب على آذانهم، فكان ذلك أشدَّ دلالة
على الاستغراق في النوم لتوقف أشد المنبهات؛ {فَضَرَبْنَا عَلَى
آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف: 11].
أمَّا من زاوية معرفية خالصة، فالأفضليَّة كانت لأمورٍ منها:
1- السمع أهم في إقامة الحجة على الخلق، فالبصر لا يكون إلا حال عرض
المعجزة دون زمان من سيأتي، أما السمع فطريقه أعمُّ وأشمل للزمان والمكان.
2- قال الرازي: السمع سبب لاستكمال العقل بالمعارف، والبصر لا يوقفك إلا
على المحسوسات.
3- السمع ينقل المعارف الماضية والأخبار الآتية، أمَّا البصر فينقل الحاضر
المعاين؛ {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ
الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا
يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ
الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ
وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة: 26 - 27].
غير أنَّ انتشار الكتابة والقراءة قد يَجعل البصر ناقلاً للمعارف السابقة
وغيرها أكثر من السمع، فالتاريخُ لم يَعُدْ يؤخذ سماعًا بل قراءة، ومع ذلك
فأكثر الأخبار والمعلومات تتناقل سماعًا بين الناس.
4- السمع جهات استقباله مُتعددة، عكس البصر لا يكون إلا بالمقابلة.
5- حاسة السمع تشتغل ليلاً ونهارًا؛ وفي الظلام والنور، في حين البصر لا
يعمل إلا في النهار والنور، وفي هذه الميزة قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا
تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ
النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ
اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}
[القصص: 71 - 72]، في ذهاب الضوء نَبَهٌ للسمع، وحال وجوده نبه للبصر،
والسمع ضمنًا هو يشتغل ومتنبه معه.
6- أوَّل حاسة تستجيبُ من النَّائم حاسة السمع؛ وإن كان مغمض العينين.
7- فاقد السمع يفقد النُّطق؛ لعدم القُدرة على التلقين، وإدراك المخارج
والصفات، فيفقد خاصية المخاطبة.
د- أسباب تقديم البصر على السمع في القرآن الكريم: وَرَدَ البصر متقدمًا
على السمع في مواضعَ، كان الغالب فيها الذَّم والتعطيل والعقاب، ففي حالات
المدح والمنَّة - كما سبق - قدِّم السمع، أمَّا فيما عاكسها فقدِّم البصر،
وهذا لا ينفي أفضلية السمع بل يثبتها.
والمواضع التي قدِّم فيها البصر على السمع هي:
1- في قوله - تعالى -: {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ
آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 179]، هنا كان المقام مقام تحقير
لهم؛ كما في قوله - تعالى -: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا
مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ
أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا
أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}
[الأعراف: 179].
والبصر أهم للحيوانات من السمع؛ لأنَّه لا يعدو أن يكون وسيلة لحفظ الحياة،
ولا يُؤدِّي كلٌّ منهما الدَّور المعرفي الذي ينتجُ عنه الهدى، ثم هذه
الآية الكلامُ فيها عن تعطيل الحواس؛ لذا كان تقديم البصر.
2- مثلها نجد في قوله - تعالى -: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى
وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} [هود: 24]، فقدمت حاسة البصر
المعطلة على حاسة السمع المعطلة.
3- وفي موقف تعذيبهم: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: 97]، ذاك أن أكرم موضع
في الوجه العينان، وأشد الإهانة بإفقاد حاسة البصر حال المحاسبة.
4- وفي قوله - تعالى - عن ندم الكفار: {أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا
فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12]؛
فالمعاينة بالبصر أقوى من الخبر المنقول، والمشاهدة آكد حجية.
ويبقى موضعان في [الأعراف: 195]، و[المائدة: 71] تَدُلُّ نفس الدلالة، وهي
التعطيل، إمَّا بفُقدان الحاسة أصلاً للآلهة؛ كما في الأعراف، فهي لا تبصر
التعبُّد لها ولا عبّادها أصلاً.
أو لصدود بني إسرائيل كما في المائدة، وذلك بأنَّهم شاهدوا المعجزات قبل
سماع الوحي، ثم صدوا كأنْ لم يبصروا شيئًا.
الأحد أكتوبر 24, 2010 5:32 am من طرف رناد
» بعض الغلا عيا له الخاطر يطيق..
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 9:51 pm من طرف رناد
» هدية رمضان من غالي الذكرى
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:12 pm من طرف حفيدة عائشة
» فلاش صائم لم يصم
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:11 pm من طرف حفيدة عائشة
» تواقيع رمضانيه
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:10 pm من طرف حفيدة عائشة
» كلمة الالشيخ ..عايض القرني
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:10 pm من طرف حفيدة عائشة
» أمساكية رمضان لعام 1431 لمناطق المملكة الرئيسية
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:09 pm من طرف حفيدة عائشة
» المكبلون في رمضان فلاش
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:09 pm من طرف حفيدة عائشة
» الفطر في السفر أم الصوم ؟
الثلاثاء سبتمبر 28, 2010 5:08 pm من طرف حفيدة عائشة